الدكتور/ عدنان مصطفى البار
أستاذ نظم المعلومات المشارك، قسم نظم المعلومات
جامعة الملك عبدالعزيز
الدكتور/ خالد علي المرحبي
أستاذ علوم الحاسب المساعد، قسم علوم الحاسبات
جامعة أم القرى
مقدمة
إن التطور المذهل فى الأجهزة والآلآت والأنظمة الذكية سيؤدي لاختصار الوقت وخفض التكلفة وتحقيق مرونة أكبر وكفاءة أكثر فى العملية الإنتاجية وقدرة كبيرة في مُعالجة البيانات والذكاء الصناعي ولا شك أن هذه المستجدات ستعمل على اتساع نطاق التطوير والتغيير وحدوث تحولات غير مسبوقة فى الإقتصاد وسوق العمل والقطاع الصناعي حيث يُمثل التحول الرقمي واحداً من أهم دوافع ومحفزات النمو في كبرى الشركات والدوائر الحكومية مما يفرض على الشركات سباقاً حاسماً لتطوير حلول مبتكرة، تضمن استمراريتها في دائرة المنافسة.
مفهوم التحول الرقمى
يُعرف التحول الرقمي بأنه عملية انتقال القطاعات الحكومية أو الشركات إلى نموذج عمل يعتمد على التقنيات الرقمية في ابتكار المنتجات والخدمات، وتوفير قنوات جديدة من العائدات التي تزيد من قيمة منتجاتها.
خطوات التحول الرقمى
يمكن أن يبدأ التحول الرقمي من خلال بناء استراتيجية رقمية وإجراء تحسين على الوضع الراهن ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال قياس الإمكانيات الرقمية الحالية ولتحديد أفضل هيكل عمل لأنشطة التسويق الرقمى في المنشئة. بعد ذلك يتم تحديد المتطلبات لخطط الإستثمار مع تحديد عوائق التكامل الرقمي لعمل خطة شاملة ومحكمة لكافة الظروف ولتدفع بعجلة التحول إلى المسار المنشود. وأخيرا، وجود إدارة التغيير للتحول الرقمي متطلب رئيسي للوصول إلى الأهداف الإستراتيجية.
فوائد التحول الرقمي
التحول الرقمي له فوائد عديدة ومتنوعة ليس فقط للعملاء والجمهور ولكن للمؤسسات الحكومية والشركات أيضاً منها أنه يوفر التكلفة والجهد بشكل كبير ويُحسن الكفاءة التشغيليلة وينظمها، ويعمل على تحسين الجودة وتبسيط الإجراءات للحصول على الخدمات المقدمة للمستفيدين. كما يخلق فرص لتقديم خدمات مبتكرة وإبداعية بعيداً عن الطرق التقليدية في تقديم الخدمات ويساعد التحول الرقمي المؤسسات الحكومية والشركات على التوسع والإنتشار في نطاق أوسع والوصول إلى شريحة أكبر من العملاء والجمهور.
التحول الرقمى وانترنت الأشياء
انترنت الأشياء تيسر وتساعد على انتقال القطاعات الحكومية أو الشركات إلى نموذج عمل يعتمد على التقنيات الرقمية في ابتكار المنتجات والخدمات حيث تشهد أعداد الأجهزة المتصلة بإنترنت الأشياء حول العالم نمواً كبيراً ويصل عددها اليوم إلى ما يقارب 8.4 مليارات جهاز، مع توقع وصول هذا الرقم إلى مئات المليارات. وبحسب توقعات مؤشر سيسكو للتواصل الشبكي المرئي، فسيكون أكثر من 500 مليار جهاز وشيء متصلاً بالإنترنت بحلول العام 2030، ما يعني أن المرحلة الحالية والمستمرة من التحول الرقمي أكبر أثراً وأكثر صعوبة من مراحل التحول التقني السابقة. ويقول خبراء إن الاضطراب الرقمي الذي تشهده معظم قطاعات الأعمال حالياً سيكون المحرك في تحقيق تغيرات جذرية في الإقتصاديات والمدن والمجتمعات الذكية. ومن هنا يفرض التحول الرقمي على المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة الإستفادة من إنترنت الأشياء لتكون أكثر إدراكاً وقدرة على التنبؤ والمرونة في العمل وهي السمات التي ستمكنها من الإبتكار بشكل أسرع لتحقيق النتائج المرجوة من أعمالها. ولتحقيق النجاح، فإن على المؤسسات الحكومية والخاصة تطبيق الإطار الرقمي عبر طيف يشمل المحاور الأربعة الرئيسية: التقنيات والبيانات والأشخاص والعمليات. وسيحتاج العدد الهائل من الأجهزة المتحركة وأدوات الإتصال بالإنترنت والخدمات الرقمية في القطاعين العام والخاص إلى شبكات ضخمة وبنية تحتية متطورة. ومن خلال التواصل الشبكي بين الأشخاص والعمليات والبيانات والأشياء، فإن إنترنت الأشياء سيحمل معه إمكانيات تؤدى إلى سرعة وتيرة التغيير.
استثمارات الشركات في التحول الرقمي
كشفت دراسة حديثة أن شركات العالم سوف تستثمر 2 تريليون دولار بحلول عام 2020 في تطوير تقنيات التحول الرقمي لديها. وهذه النقلة النوعية في حجم الإستثمارات تفرضها ضرورات تزايد تعقيدات قطاع تقنية المعلومات فيما يخص الأجهزة والتطبيقات و زيادة الرهان على إنتاجية الموظفين الذين يعملون في أقسام تقنية المعلومات بأن لا تتعرض لأي خلل. ولكي يحافظ مدراء تقنية المعلومات على قدراتهم التنافسية في الأسواق ينبغي عليهم إعادة التركيز على استراتيجيات تقنية المعلومات بحيث تكون قوة العمل الفعالة ذات المردود الأعلى محور العملية الإنتاجية.
التحول الرقمي ضرورة في تحسين كفاءة المؤسسات
أصبح التحول الرقمي من الضروريات بالنسبة لكافة المؤسسات والهيئات التي تسعى إلى التطوير وتحسين خدماتها وتسهيل وصولها للمستفيدين ،والتحول الرقمي لايعني فقط تطبيق التكنولوجيا داخل المؤسسة بل هو برنامج شامل كامل يمس المؤسسة ويمس طريقة وأسلوب عملها داخلياً بشكل رئيسي وخارجياً وأيضا من خلال تقديم الخدمات للجمهور المستهدف لجعل الخدمات تتم بشكل أسهل وأسرع. كما أن التحول الرقمي يسهم في ربط القطاعات الحكومية أو الخاصة ببعضها بحيث يمكن أجاز الأعمال المشتركة بمرونة وانسجام عال. وقد أصبحت الضرورة ملحة أكثر من مامضى لتحول المؤسسة رقمياً، ويعود ذلك وبشكل أساسي إلى التطور المتسارع في استخدام وسائل وأدوات تكنولوجيا المعلومات في كافة مناحي الحياة سواء كانت متعلقة بالمعاملات مع القطاع الحكومي أو القطاع الخاص أو كانت تخص الأفراد. لذلك هناك ضغط واضح من كافة شرائح المجتمع على المؤسسات والهيئات والشركات لتحسين خدماتها واتاحتها على كافة القنوات الرقمية.
حوكمة التحول الرقمى
أدى التطور السريع وازدياد حجم المعلومات الى تعقيد عملية التحكم والإفادة من التطبيقات التي انتشرت في شتى مجالات العمل وعلى جميع المستويات لتحقيق التقدم وأداء الأعمال بفعالية وكفاءة ولا يخفى ما رافق هذا التقدم من المجازفات سواء أكانت مخاطر أم فرص. وبالتزامن مع الإنتشار الواسع للتقنية ظهرت أهمية الترابط بين التقنية والحوكمة والأعمال وتم تعريف العديد من المفاهيم والمصطلحات التي تهدف إلى تطوير بيئة الأعمال وتحسينها وتكاملها. ومن أهم هذه المفاهيم الحوكمة والتحول الرقمي وإدارة المخاطر و هيكلة العمليات والإجراءات و التصميم التقني، كما ظهرت مفاهيم مجمعة مثل الحوكمة التقنية و حوكمة التحول الرقمي. و برزت هذه المصطلحات بصورة هامة وحيوية مترافقة مع إستراتيجيات المؤسسات للتطوير و الحد من المخاطر و التلاعب.
غالياً ما يشمل إطار الحوكمة مجموعة العلاقات التنظيمية في المؤسسة وقوانين التدقيق والمحاسبة بالاضافة إلى ضرورة توفير منظومة متكاملة من معايير قياس الاداء. وتسعى المؤسسات من خلال حوكمة عملياتها الداخلية والخارجية إلى توفير التجانس بين مختلف وحداتها الادارية بحيث تكون أعمال تلك الوحدات مكملة لبعضها البعض. تُساعد الحوكمة في ضبط منظومة المحيط التفاعلي المرتبطة مع التحول الرقمي حيث تتشابك مجموعة مركبة من المكونات الرئيسية والفرعية مثل الشركات المساندة وأنظمة الأعمال والوسائط التفاعلية بشكل مباشر أو غير مباشر لاستكمال العمليات والإجراءات. وحوكمة التحول الرقمي تضبط تأثير التغيرات المختلفة في العناصر والمكونات، كما تقدم تحليلاً كلياً للمتغيرات الناجمة عن الخصائص القابلة للتغيير والتعديل والتطور. وبهذا تشكل حوكمة التحول الرقمي طريقاً واضحاً لتسهيل الأعمال بشكل يواكب التطور ويضمن توازناً متناسباً بين أصحاب المصالح مع تحقيق الإستراتيجيات والأهداف بشكل متواصل مع خلق فرص واعدة.
تطبيق التحول الرقمي
يتم تطبيق التحول الرقمي عبر طيف يشمل التقنيات والبيانات والموارد البشرية والعمليات، حسب التفصيل التالي:
التحول الرقمي فى القطاعات الصناعية
يمكن أن تتحق الكثير من العوائد الإقتصادية جراء التحول الرقمي فى القطاعات الصناعية منها خلق خريطة صناعية ومناطق صناعية مُطورة بما يتماشى مع التكنولوجيا الصناعية المتقدمة وتعتبر المدينة الجديدة نيوم أنموذجا في ذلك. كما أن المجتمع الشبكي الرقمي فى القطاعات الصناعية سيؤدي إلى اختصار الوقت وخفض التكلفة وتحقيق مرونة أكبر وكفاءة أكثر في العملية الإنتاجية من خلال استخدام التقنيات الحديثة في كل التخصصات والمجالات والإقتصادات والصناعات. التحول الرقمي فى القطاعات الصناعية سيظهر المصانع الذكية المرتبطة بأجهزة استشعار موصلة بالإنترنت والتى تكشف بدورها عن الأعطال قبل وقوعها. كما يمكن إنجاز مراحل عملية الإنتاج بالشكل الذى يحد من إهدار مدخلات الإنتاج مما يعظم من الإيرادات ويخفض من تكاليف الإنتاج. وأخيرا بالتحول الرقمي يتحقق الربط الفعلي بين الصناعة والمؤسسات التعليمية ومراكز البحث العلمي لتقديم حلول وابتكارات ومبادرات لتطوير الصناعة.
التحول الرقمي فى مجال الخدمات المالية
في مجال الخدمات المالية، ازداد التحول الرقمي بشكل كبير. وأصبحت التقنيات الناشئة مثل بلوك تشين(Blockchain)، تقنية القياسات الحيوية من المتوقع لها أن تسود لسنوات قليلة. في الماضي، لم تكن الصناعة المصرفية تتعرض لمواجهة هذه التحديات الرقمية في كل عناصر موارد إيراداتها. وأدت تقنيات مثل Peer to Peer) ) للدفع المباشر، وبلوك تشين الذي يمكن من الدفع بالعملة الإفتراضية، والبنوك الإفتراضية، إلي حدوث تحولاً في بناء الثقة في هذا المجال من حيث التحول الكامل في كيفية تخزين القيمة وانتقالها واستثمارها. ومع ذلك فإنها تتلقى استجابة كبيرة نظراً لقوتها، وتبحث العديد من البنوك الآن عن الطرق المناسبة للأمان مع هذا التغيير.
العوائق التي تعرقل عملية التحول الرقمي
باختصار توجد العديد من العوائق التي تعرقل عملية التحول الرقمي داخل المؤسسات والشركات منها نقص الكفاءات والقدرات المتمكنة داخل المؤسسة والقادرة على قيادة برامج التحول الرقمي والتغيير داخل المؤسسة كما أن نقص الميزاينات المرصودة لهذه البرامج تحد من نموها. التخوف من مخاطر أمن المعلومات كنتيجة لاستخدام الوسائل التكنولوجيا يعتبر أحد أكبر العوائق خصوصا إذا كانت الأصول ذات قيمة عالية.
التحول الرقمي والمستقبل
سيكون مدى ذكاء وتعاظم الدول في بناء وإدارة وتشغيل الحكومات والبنى التحتية والأعمال مبني على التحول الرقمي والذي يعتبر أحد أهم العوامل التي تحدد مستقبل شعوبها. فالقادة يتطلعون إلى تحسين الكفاءات وتقليل الإنفاق وتطبيق الخدمات الجديدة بسرعة ومرونة. هناك إمكانات ضخمة في الشرق الأوسط لبناء مجتمعات فعالة وتنافسية ومستدامة عبر التحول الرقمي، والذي سيعمل أيضاً على تحقيق تغيير جذري في خدمات المواطنين وفي مجالات متعددة مثل الصحة والتعليم والسلامة والأمن والتي ستحقق بإذن الله رضا المواطنين وراحتهم. كما يُساهم التحول الرقمي في تحوّل أساليب العمل في العديد من القطاعات، كالنفط والغاز والخدمات المصرفية وتجارة التجزئة والسياحة والصناعات التحويلية إلى أساليب حديثة يمكن أن تخلق فرص عمل جديدة ومبتكرة لتكون مساهمة في النمو الإقتصادي الكبير.
الخاتمة
يوفر التحول الرقمي فرصاً ضخمة للمؤسسات الحكومية والشركات الخاصة على مختلف الجوانب، من أهمها تحقيق أهداف المؤسسات والوصل بها لرؤيتها الإستراتيجية بإمكانيات أقل من المهدرة في الوقت الحالي أو ما قبل التحول الرقمي. التحول الرقمي سيساعد المؤسسات على تحسين مسارها الصناعي واسخدام موادها بكفاءة أعلى وأمثل. كما أن التحول الرقمي سيفتح فرصا أكبر بعد فتح الحوار بين القطاعين العام والخاص والشراكة بينهما بالتعاون مع كل الوزارات. الوعي بحتمية هذه النقلة والعمل بصفة جماعية يساهم بشكل رئيسي في نمو هذه القطاعات وازدهارها والتي ستنعكس إيجابا على تقدم الدول لتكون أكثر إدراكاً ومرونة في العمل وقدرة على التنبؤ والتخطيط للمستقبل.
المراجع