المدونة

الإثنين, 25 آذار/مارس 2019 06:28

ثلاثة حقائق جدلية عن الفساد مميز

 

إجراء محادثة جدية عن الفساد يتطلب أولا تقبل فكرة عدم وجود شخص كامل من الناحية الأخلاقية.

استهل دروسي عن الفساد في بعض الأحيان باعتراف غير اعتيادي. حيث أخبر طلابي - الذين قد يصبحوا قضاة أو ضباط شرطة أو في الجيش أو موظفين حكوميين أو يشغلون مراتب أخرى- أني كشخص لست محصناً ضد الفساد، فقد أكون فاسدا أيضاً.

ذلك مجرد إيماءة تواضع، ومحاولة لفتح نقاش عن أخلاقيات العمل على سبيل التغيير. من الشائع عندما يدور الحديث حول موضوع الأخلاق هو محاولة إثارة إعجاب الآخرين، كما لو أن مكافحة الفساد تتمحور ببساطة حول مسألة العثور على الأشخاص "السيئين" في المؤسسة ، الوكالة، النظام قضائي ... إلخ.

لطالما كان الفساد موجوداً في كل مكان، وعلى الأغلب سيبقى كذلك. فلماذا استثني نفسي؟ بالطبع أستطيع تجنب التفكير به، ويبدو أني أستطيع اختيار أو اختراع تعريف للفساد لا ينطوي على أفعالي. بذلك أستطيع الانغماس في حماية نفسي بحيث يفقد الفساد بعض أهم معانيه.

يشعر معظمنا بعدم الارتياح عندما يصطدمون بحقيقة سلوكياتنا الغير أخلاقية. فكوننا نميل للتفكير بأشياء معينة، نخشى أن نكون سيئين كوننا نعتقد أنها توحي بأننا أشخاص سيئين. ولكننا نعلم في الحقيقة أن الأخلاق تقع في المنطقة الرمادية. فكل واحد منا يجميع بين الخير والشر فنحن لسنا قديسين.

من واقع خبرتي، كلما أدركت إلى أي حد اعتبر نفسي شخصاً فاسدا، أصبح أكثر دراية بالمنطقة الرمادية خاصتي. فإيجاد الجانب الأخلاقي في المنطقة الرمادية ينطوي في بعض الأحيان على مقاومة عيوبنا والسعي لشيء أسمى. من المهم أن نتقبل بعض عيوبنا في بعض الأحيان فبذلك نستطيع التركيز على العالم الحقيقي ورؤية الأشياء بوضوع وعلى حقيقتها.

من الصعب تحديد ما يجب مقاومته وما يجب تقبله. سأورد ثلاثة أفكار أجدها فعالة عند اتخاذ قرارات أخلاقية.

عدم التسامح مع الفساد ليس بالضرورة أمراً صادقاً أو مرغوب به

عندما أدعو تنفيذيين وموظفين حكوميين إلى التفكير بالفساد الموجود فيهم لا يعتبر ذلك بمثابة دعوة إلى الانحلال الأخلاقي. وبدلاً من ذلك، هو بمثابة تذكير بأنه لا يوجد شخص كامل. فجميعنا لدينا عيوب ونقاط سوداء يجب أن نستعد لمواجهتها إذا ما أردنا أن نطور نفسنا. وإذا ما تبنينا معايير غير واقعية سنصبح عاجزين عن اختيار معاركنا الأخلاقية بروية.

من جهتي، أحاول كشخص غربي وأعزب أن أتبنى حقيقة أن تفكيري منحاز إلى العلم والثقافة والمعايير الاجتماعية والعادات التي تشكل هويتي. ولذلك تداعيات إيجابية وسلبية. أصبحت أدرك مع الوقت أن بعض سلوكياتي قد تبدو متحيزة وقد ينظر إليها على أنها عنصرية في بعض الأحيان.

عندما يشير أحد الطلاب إلى بعض التحيزات السلبية الخفية بطريقة تدريسي، أسعى جاهداً لإظهار الاهتمام والفضول. وبذلك بإمكاني أن أتعلم بدلاً من دحض أية معلومات تتناقض مع إغراء تقديس الذات.

بشكل عام، لدي أسباب وجيهة لأكون متسامحاً مع نقاط ضعفي الأخلاقية. وكوني غير متصالح مع  بعض جوانب شخصيتي التي أريد بشدة أن أقهرها، بإمكاني أن أكون متسامحاً مع الجوانب التي أقبلها كجزء من كوني شخص غير معصوم. بإمكاني أن أوجه هذه الجوانب إلى أفكار أكثر وضوحًا ومسالمة.

التخلي عن مسألة العمل في سبيل إعادة ابتكاره

النضج العاطفي والصفاء تجاه مسألة الفساد يعني مواجهة التوترات التي قد تنشأ بسبب الأمور الأخلاقية والأخرى المادية، أو قيمة العمل وقيمة أصحاب المصلحة. فكلاهما أهداف مثيرة  ومن النادر أن يتماشيا مع بعضهما البعض.

لا يزال المديرون يعتقدون أنهم يستطيعوا تعميم مكافحة الفساد من خلال التأكيد على "مسألة العمل" للقيام بما هو صحيح.

باعتقادي، الإصرار على مسألة العمل ينطوي على تناقضات كارثية. فالبحث عن الربح على سبيل المثال والذي يعتبر الجوهر الرئيسي للفساد، لا يمكن أن يكون جوهر مكافحة الفساد. التعامل مع مكافحة الفساد كاستراتيجية تسفر عن عوائد مادية أشبه بمعالجة المرض بسبب مسبباته. `ويعني ذلك أننا سنخسر فرصاً هامة وضرورية لإحداث تغير إيجابي. هذا هو الواقع الذي نواجهه اليوم، بحيث أصبحت مكافحة الفساد فساداً. فإذا ما طبقنا أسلوبنا في المراجعة الذاتية، قد يصبح التغيير الإيجابي حافزاً لتطوير علاقات أصحاب المصلحة، وبالتالي تحقيق نجاح مستدام..

بما أن الفساد يبدأ كفتنة، من الضروري الترويج لمكافحة الفساد لأسباب أخلاقية وليس فقط لخدمة مصالح شخصية. فالأخلاق لا يمكن بيعها إلا لأشخاص سيئين.

بحسب وجهة نظري، يجب ان أغض النظر عن مسألة العمل. وأن أحضر نفسي لأعلم طلابي خارج منطقة راحتهم بدلاً من إخبارهم ما يرغبون سماعه.

مع الوقت والعمل الجاد، استطعت من إقامة علاقات مستدامة ومجدية مع العملاء. مع ذلك، لا زلت أواصل التنقل في المنطقة الرمادية، بين نزوعي الفكري ونجاحي الخاص. ذلك كون الأمر ليس مقتصراً على مسألة العمل التي يمكنني أن أخترعها بصورة تدريجية.

الإيثار ليس بالضرورة التفوق أخلاقياً

غالباً ما يتم الخلط بين الأخلاق والإيثار، خاصة عندما يتعلق الأمر بالفساد، فعمل ما هو أفضل للآخرين لا يعني التصرف بطريقة أخلاقية. من خلال خبرتي، يبدو أن طلابي يقضون الكثير من الوقت والجهد لاهثين خلف أهداف وقيود لا تخصهم. في الكثير من الحالات يخدم السلوك الغير أخلاقي مصالح شركتهم. وقد ينبع أيضاً من مراعاتهم للسلطة، مما يعمي بصيرتهم عن المخاطر التي يضعون أنفسهم بها من خلال تجاهل الجانب الأخلاقي. ومن المفارقات أن التعمق بمصالحهم الشخصية قد يعزز السلوك الأخلاقي.

تبني المفارقات وليس البديهيات

قد تكون المفارقات من الأمور الغير شائعة في مجالس الإدارة، ومع ذلك تعتبر ضرورية كوننا لا نعيش في عالم يقتصر على الأبيض والأسود. عوضاً عن ذلك نحن كائنات معقدة تعيش في عالم معقد. الأخلاقيات المناسبة لمثل هذا العالم ستكون أكثر تفهماً للتناقضات من البديهيات التي غالباً ما تسيطر على النقاشات حول الفساد في أروقة السلطة.

من المؤكد يصعب تبني التعقيد والتناقضات كونهما يتطلبان طريقة جديدة في التفكير. ولكن تقبلها يخولنا من الخوض في المنطقة الرمادية للأخلاق بشكل يمكننا من تجنب الأحكام القطعية والإقرار بأن بعض السلوكيات أخلاقية أكثر من غيرها. كما أنه يفسح المجال أمام المزيد من المناقشات حول الأخلاقيات وخاصة موضوع الفساد.

نحن اليوم بحاجة ماسة لمثل تلك المحادثات، كون مكافحة الفساد مهددة بالتحول إلى قناع أخلاقي مصمم من أجل إعمائنا عن الحقيقة الغير سارة في الحقيقة.

مارك لو مينيستريل، أستاذ زائر بكلية إنسياد في حوكمة الشركات والاستدامة

https://knowledge.insead.edu/blog/insead-blog/three-inconvenient-truths-about-corruption-10856#PqRESuF0pwvv3h5L.99

قراءة 3146 مرات آخر تعديل على الإثنين, 25 آذار/مارس 2019 06:42

ISO 9001:2015

منتدى أسبار الدولي. جميع الحقوق محفوظة ©2024.