المدونة

الخميس, 19 آذار/مارس 2020 18:01

لماذا كل هذه القرارات الغير مسبوقة من قبل دول العالم لمواجهة فيروس كورونا مميز

 

يتساءل الكثير، لماذا كل هذه القرارات الغير مسبوقة من قبل دول العالم لمواجهة فيروس كورونا؟! لماذا نشهد كل هذه التحذيرات من التجمعات، التوجيه بالعمل من المنزل، إغلاق الأماكن العامة، وحث الناس على البقاء في بيوتهم حتى للصلاة. في هذا المقال سأتطرق لأحد أفضل الدراسات التي قامت بعمل محاكاة لانتشار كورونا وتأثيره على حياة الناس وعدد الوفيات لا قدر الله من خلال استعراض ثلاثة سيناريوهات مختلفة. بعض المعلومات مخيفة لكن تعاون الجميع سيساعدنا في مواجهة هذه الأزمة العالمية بإذن الله.

فريق جامعة Imperial College، قام بجمع معدلات انتشار العدوى ونسبة الوفيات من الصين، كوريا الجنوبية وإيطاليا ووضعها في برنامج محاكة لتطور الأوبئة في العالم. كان السؤال، ماذا سيحدث لو لم تقم أمريكا بأي خطوات للحد من انتشار الفايروس وتعاملت معه على أنه فايروس انفلونزا طبيعي مثل الانفلونزا الموسمية وتركته يأخذ مجراه الطبيعي؟ في هذه الحالة سيصاب 80٪ من الشعب الأمريكي بالفيروس وسيؤدي ذلك إلى وفاة 0.9٪ منهم. ما نسبته 4٪ إلى 8٪ من الشعب الأمريكي الذين تتجاوز أعمارهم ٧٠ سنة سيتوفون. سيؤدي ذلك إلى وفاة ما يزيد على 2.2 مليون أمريكي بسبب فيروس كورونا. يزداد الأمر سوءاً في الحالات الصحية المتطورة حيث يحتاجون إلى أجهزة تنفس صناعي للحفاظ على حياتهم. ومع ذلك 50٪ ممن يصلون لهذه المرحلة يتعرضون للوفاة. لكن في حالة انتشار الوباء بشكل كامل فإن الحاجة لأجهزة التنفس الاصطناعي في أمريكا ستتجاوز الطاقة الاستيعابية بـ 30 ضعف. سيؤدي ذلك إلى وفاة الغالبية العظمى ممن يصلون لهذه المرحلة الحرجة لعدم قدرة النظام الطبي على استيعابهم. يؤدي هذا الوضع من التفشي للفيروس وعدم قدرة النظام الطبي على استيعابه إلى وصول عدد الوفيات في أمريكا إلى ما يزيد على ٤ مليون حالة خلال فترة 3 أشهر. يعني ذلك أن انتشار الفيروس يؤدي إلى وفاة 8٪ إلى 15٪ من الشعب الأمريكي الذين تزيد أعمارهم على 70 سنة.

ماذا يعني وفاة 4 مليون شخص؟! يعد هذا الرقم أكبر رقم لعدد الوفيات للشعب الأمريكي خلال فترة واحدة تاريخياً. 4 مليون هو عدد سكان مدينة لوس أنجلس! هذا الرقم يعد أربعة أضعاف الأمريكان الذي توفوا خلال الحرب الأهلية الأمريكية. طبعاً هذه الدراسة ركزت على أمريكا، التي يشكل عدد السكان فيها 4.4٪ من سكان العالم. إذا طبقنا هذا النموذج على بقية العالم، فهذا يعني أن الفيروس قد يؤدي إلى وفاة 90 مليون شخص في العالم خلال فترة الفترة من 3 إلى 6 أشهر. هذا الرقم يعد 1.5 ضعف عدد الوفيات التي تعرضت لها البشرية في الحرب العالمية الثانية.

هذه الإحصائيات كلها كانت على فرض أن الدول لن تتخذ أية إجراءات، لكن نعرف أن الوضع الحالي يخالف ذلك. عدد من الدول بدأت باتخاذ إجراءات غير مسبوقة. قام الفريق البحثي بإعادة حساب البيانات وفق سيناريوان اثنان؛ سياسية “التخفيف” وسياسة “الإخماد”، وقاموا باستعراض النتائج.

في سياسة “التخفيف” تقوم الدول بعزل الحالات المصابة، العوائل التي اكتشفت فيها حالات تعزل، تطبيق سياسة “المسافة الاجتماعية” بالابتعاد عن مخالطة من تزيد أعمارهم عن 70 سنة بوضع مسافة لا تقل عن 2 متر. كثير من دول العالم المختلفة بدأت بتطبيق سياسة “التخفيف” مثل ما نشاهده مطبقاً في أمريكا وعدد من الدول. الهدف من هذه السياسة هو تخفيف انتشار العدوى من الفيروس خاصة لمن هم أكثر عرضة للوفاة بسببه. والهدف الرئيسي هو تقليل الضغط على المستشفيات والنظام الصحي في الدول. وجد الباحثين أن هذه الإجراءات تخفف فعلاً من انتشار الفيروس، لكن ليس بالمستوى المطلوب. تقل نسبة الوفيات المباشرة في أمريكا بسبب الفيروس إلى النصف لتصل إلى 1.1 مليون حالة. تقل نسبة الحاجة إلى أجهزة التنفس الصناعي إلى الثلث، لكن ما زالت 8 أضعاف الطاقة الاستيعابية لجميع المستشفيات في أمريكا. يؤدي تطبيق هذه السياسة إلى تقليل الوفيات الإجمالية المتوقعة من  الفيروس إلى قرابة 2 مليون حالة وفاة في أمريكا خلال فترة 3 أشهر. وبتطبيق هذه النسبة  عالمياً من المتوقع أن يصل عدد الوفيات العالمية إلى 45 مليون حالة وفاة، ثلثي حالات الوفاة التي تعرضت لها البشرية خلال الحرب العالمية الثانية.

بالحديث عن تطبيق أثر سياسة “الإخماد” بحيث يضاف إلى سياسة التخفيف بتطبيق سياسة “المسافة الاجتماعية” لجميع الناس وليس فقط لكبار السن، إلغاء كافة الاجتماعات وأماكن العمل، إغلاق المدارس والجامعات، إيقاف المولات والأسواق وأي تجمعات لمجموعة من الناس. تم تطبيق هذا النموذج في مدينة ووهان في الصين (التي بدأ منها الفيروس)، وعدد من الدول في العالم مثل السعودية. وجدت الدراسة بأن سياسة “الإخماد” تنجح في كبح انتشار الفيروس. فعلى سبيل المثال، خلال 3 أسابيع فقط تصل حالات الوفاة في أمريكا إلى حدها الأعلى بحيث يؤدي الفيروس إلى وفاة بضع آلاف من الحالات. كما نجد أن عدد الحالات التي تستدعي تنفس الصناعي من الممكن استيعابها وفق النظام الصحي في أمريكا.

لكن ماذا يحدث إذا بدأ الناس بالعودة إلى حياتهم الطبيعية قبل الوصول إلى لقاح مانع للفيروس وذلك عندما يشاهدون انخفاض حالات العدوى والوفاة؟! نجد أن الفيروس يعود بضراوة شديدة ويبدأ بالانتشار الكبير وتتضاعف أعداد وحالات الوفاة في العالم لتعود إلى السيناريو الأول.

تتناول الدراسة الحل الأمثل للتعامل مع هذه الفيروس وفق البيانات المتاحة حالياً. بتطبيق سياسة “الإخماد” إلى شهر جولاي الحالي في الدول يتم كبح الفايروس إلى مستويات منخفضة. بعد ذلك، من الممكن أن يتم التخفيف من هذه السياسية وتطبيق سياسة “التخفيف” لمدة شهر. بعد ذلك يتم تطبيق سياسة “الإخماد لمدة شهرين، وهكذا. الهدف الأساسي هو عدم ترك الفرصة للفيروس بالانتشار وأن يتحول إلى وباء متسارع. يفضل كذلك أن يتم التحول لسياسة “التخفيف” موزعاً داخل المدن في الدولة الواحدة لتقليل قدرة الفيروس على الانتشار المتزايد. لكن من المهم جداً عدم ترك الفرصة للفيروس بأن يعود لمعدلات الانتشار الكارثية في الحالة الأولى.

خلال هذه الفترة تعمل جميع الدول جاهدة على تطوير لقاح مانع لهذا الفيروس. الأسبوع الماضي، أعلنت 3 فرق بحثية مختلفة في العالم وصولها إلى لقاح مانع. خلال اليومين الماضيين قامت أحد الفرق بحقن اللقاح مباشرة في أحد المتطوعين للتجارب السريرية بموافقة من قبل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية متجاوزة بذلك ما جرت عليه العادة من عمل اختبارات على الحيوانات قبل الإنسان. تعتبر هذه خطوة استثنائية لكن ضرورية في الوقت الحالي. بعد ذلك من المهم أن تتم التجربة لعدد من المتطوعين لعدة أشهر للتأكد من عدم وجود أية أعراض صحية جانبية لهذا اللقاح. هذه المرحلة ضرورية وأساسية جداً حتى لا يتم حقن ملايين من البشر باللقاح من غير التأكد من أنه لا يؤدي لإلحاق الضرر بهم. عند نجاح تجارب اللقاح نحتاج عدة أشهر لإنتاجه لتوفيره للناس. تتوقع الدراسة أن تأخذ كامل عملية توفر لقاح لغالبية الناس خلال الـ (12-18) شهراً القادمة.

خلال هذه الفترة، ستتغير حياة البشرية بشكل كامل. حياة الناس واقتصاديات الدول ستتأثر بشكل كبير وتتغير بشكل كبير. والتحدي الأكبر، أنه في حالة نجاح سياسة “الإخماد” سيشعر الناس أنهم يقومون بكل هذه الإجراءات المتشددة بلا فائدة. وذلك لأنهم يرون حولهم حالات العدوى والإصابات منخفضة جداً ويرغبون بالعودة للحياة الطبيعية. لكن ينبغي علينا التذكر أنه بسبب هذه الإجراءات وسياسة “الإخماد” استطعنا التخفيف بشكل كبير جداً من أضرار الفيروس وحالات الوفيات بشكل كبير جداً.

في تاريخ البشرية، من السهل أن يتفق الناس ويتحدون فيما بينهم في حالات الحرب. لكن من الصعب جداً أن تجد جميع الناس يتفهمون الوباء الحالي الذي لا يرى بالعين، بل تم التخفيف منه بشكل كبير جداً بسبب سياسة “الإخماد”. لكن يجب علينا أن نتعاون جميعاً للوقوف سوياً للتخفيف من هذا الوباء. لنقف قليلاً ونرى حولنا هذه القرارات الغير مسبوقة في التاريخ، ونتعض منها أن الخطر حقيقي. وإذا لم تكن أنت المتضرر فأهلك وأقاربك من حولك، الناس من حولك والبشرية جمعاء ستكون هي المتضررة. لنقف جميعاً ضد انتشار هذا الفيروس الخطير، وسيسجل التاريخ هذه اللحظات في صفحاته التي سنقرأها في القريب العاجل بإذن الله.

 

ترجمة وإعداد: محمد المشيقح

 

لتصفح التقرير باللغة الإنجليزية:

https://www.imperial.ac.uk/media/imperial-college/medicine/sph/ide/gida-fellowships/Imperial-College-COVID19-NPI-modelling-16-03-2020.pdf

قراءة 2301 مرات آخر تعديل على الأحد, 22 آذار/مارس 2020 10:59

ISO 9001:2015

منتدى أسبار الدولي. جميع الحقوق محفوظة ©2024.